الرئيسية » ممحاة » الحب والوطن والانتماء

الحب والوطن والانتماء

يقال إن أحد مخاطر الصمت، إنه يجعل الآخرين يفسرون صمتك على هواهم. وهذا أهم دوافعي لكتابة هذا المقال. والسبب الثاني أنني قرأت على إحدى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ما معناه أن نظام الأسد قد اختطف الطائفة العلوية، وبمكان آخر أن الشرع قد اختطف السّنة، وبعد أحداث السويداء أن الهجري اختطف الدروز!!

أنا لا أعتقد أن أحدا يستطيع أن يختطف أحدا. نحن نولد أفرادا، ونموت أفرادا، ونحشر أفرادا. هذا من حيث البنية البيولوجية للإنسان. من حيث البنية السيكولوجية والسوسيولوجية فإننا نولد أفراد، ومن ثم البعض منّا بفضل عوامل ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية يتحولون إلى أشخاص، والغالبية يبقون في الطور الفردي، وهؤلاء يكونون عرضة لغريزة القطيع، وقد تتحكم بمسيرة حياتهم، من حيث أنهم ينحازون إلى مصالحهم الشخصية، وانتماءاتهم الضيقة (العائلة، العشيرة، الطائفة) لأن إدراكهم لا يؤهلهم لرؤية الموقف من خلال بعده الإنساني، أو الوطني، لذلك فإن أي نضال وطني لا يأخذ الإنسانية بعين الاعتبار، سيؤدي إلى كوارث قد تودي بالوطن نفسه. لأن “ما نفعله لأنفسنا سيموت معنا، وما نفعله للآخرين يبقى إلى الأبد” والأمثلة على ذلك قليلة ولكنها مهمة جدا (أرنستو تشي غيفارا، نيلسون مانديلا، عبد الرحمن سوار الذهب، غاندي) بينما هناك الملايين من الذين غلّبوا مصلحتهم الشخصية على المصلحة العامة، ماتوا، ومات ذكرهم معهم.

يقول آرثر شوبنهاور: الجهل أسهل من الحقيقة، لهذا يحظى بشعبية واسعة. وهذه الشعبية نلاحظها في منشورات السوريين، ومقاطع الفديو التي يبثونها على مواقع التواصل الاجتماعي!! مما لا شك فيه إن السوريين ورثة مظلوميات طائفية وسياسية واقتصادية واجتماعية تاريخية، متبدلة، ومتنوعة، ومتحولة. الغريب في الأمر أنهم كلما تغير الحال، يتحولون من تلك المظلوميات إلى “عنتريات” بلا معنى أو قيمة أو هدف يسمو بأصحابها!! مما يكرس العداء، والضغائن، والحس الثأري بين الناس التي من المفترض أن تكون شعبا واحدا. وكأنه علينا أن نموت عدة مرات قبل أن نتعلم العيش معا!!

لا أقول ذلك طمعا في لغة التسامح، فأنا لست مع المسامحة، وإن كان “المسامح كريم”. أنا مع العدالة، ولذلك أطالب بدولة الحق والقانون. بدون تلك الدولة سيموت الحب بين الناس، وتنقطع المروءة، ويصبح الاهتمام بالشأن العام شعارا بدون أي تأثير، أو قيمة واقعية.

بعيدا عن صراع السرديات، حين يتعلق الأمر بسوريا لا أستطيع أن أكون حياديا، قد أخاف، وأسكت. الحياد موقف مختلف، يمكن أن نقول عنه أنه نوع من اللامبالاة، وهو “مرحلة مؤقتة، بعد ذلك يبدأ الحياديون تدريجيا بالتطبيع مع الرذيلة. كما تقول آين راند. وهذا ما عشناه خلال نصف قرن من حكم الأسد الأب والابن!! تلك هي الحقيقة، أعرف أن الحقيقة موجعة، ولكن الاعتراف بها هو علاجنا الوحيد.

أعرف ما معنى أن ينظر الإنسان بخيبة إلى ذات الأمور التي كان ينظر إليها وملء نفسه الأمل، ولكن، ورغم ذلك ما زلت أرى سوريا التي أحب في تضامن السوريين مع بعضهم، في تلك الوقفات الاحتجاجية التي ترفع لافتات تقول: دم السوري على السوري حرام، في ذلك الهتاف الذي أعتبره بمثابة النشيد الوطني “واحد.. واحد.. واحد. الشعب السوري واحد”.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن إبراهيم الزيدي

إبراهيم الزيدي
شاعر وكاتب سوري، عضو اتحاد الكتاب العرب، كتب ونشر في العديد من الصحف والمواقع والمجلات السورية والعربية، صدر له في الشعر: كلمات بلون الحب ـ ثم ليلى، ورواية «حب تحت الأنقاض».

شاهد أيضاً

“جمهورية يع” عندما يصبح الجميع مُقْرِفين!

القرفُ والاشمئزازُ عند الإنسان وسيلةٌ تطوريةٌ معقّدةٌ للحماية من المرض والموت عبر ردِّ فعلٍ آليّ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *