آخر المقالات
الرئيسية » رصاصة الرحمة » العالم.. عندما لا يحتاج إليك

العالم.. عندما لا يحتاج إليك

يخطر هذا السؤال على بالنا، وهو ما الذي أنتجناه؟، وما الذي نستطيع أن ننتجه، ولا يستطيع عالم اليوم الاستغناء عنه؟ أو العيش من دونه؟ وهنا لا يتسرع البعض ويحكم بأنني أتسائل عن فائدة وجودنا من عدمها، فهذا سؤال يحمل في طياته عدمية تقارب العنصرية لا أتحمل وزره، فأنا لا اقصد مطلقاً البحث في حقنا في الوجود والبقاء، ولكن السؤال يبدو ملحاً، كيف يكون هذا الحق بالوجود والبقاء ضرورة لمن يسكن معنا أو نسكن معهم على هذه الكرة ألأرضية؟، وهل إذا توقفنا يوماً واحداً عن الاستهلاك سوف يتوقف سكان الكوكب عن العمل ويموتون جوعاً؟ أو إذا توقفنا يوماً واحداً عن الإنتاج سوف يتعرقل برنامج العالم الإنتاجي وتحل الأزمة الاقتصادية الشاملة بدلاً عن اقتصاديات الدول؟

فيما يحصل اليوم على أراضينا، ومنتجات هذا الحدث الفاجع، لا أكاد أرى فيما خلا الجغرافيا سبباً في حاجة العالم إلى وجودنا، لدرجة أن ليست هناك أية ضرورة لوجود الإنسان نفسه، طالما لا يستطيع الدفاع عن ضرورة وجوده بنفسه، وضرورة الوجود لا تستحضر من قوة فيزيائية غاشمة أو ذكية، بل تتأتى من الإبداع ومنتجاته، والذي يتضمن إبداع تسويق هذه المنتجات وإثبات ضرورتها وتأثيرها على حاجات العالم، ولا يمكن لقائل أن يتشبث بالنفط، فما النفط إلا من منتجات الجغرافيا (حتى لا ندخل في تفاصيل صناعة إنتاجه وتسويقه)، وربما هذا ما قصده ترامب عندما قال “دعونا نذهب لجلب النفط من هناك” متجاهلاً كل السكانيات التي تقطن حوله، فالنفط ليس منتجاً مجتمعياً على ما هو عليه الآن ومنذ إكتشافه على أراضينا، كي نقايضه بالحاجات اللازمة للإبداع ومنتجاته، بل هو خاضع للتقاسم منذ إكتشافه حتى الآن، ولا يمكن لأية بقعة أرضية من بقاعنا أن تجادل أو تساوم في مسألة الإقتسام هذه، حتى بدافع الوطنية والشعارات الخلابة، بل لأن الصناعة النفطية هي مبتكر تكنولوجي لم يستطع أصحاب الأراضي الولوج إليه إبداعياً.

في العودة إلى الإنتاج الإبداعي كضرورة للوجود، لا تبدو دول الأمم “العربية” مؤهلة لأخذ مكان أو مكانة على هذه الخريطة، ليس من حيث عدم امتلاكها للعقول القادرة على الإبداع، بل لأن البنية الاجتماعية غير مؤهلة لرؤية نفسها في مأزق مستقبلي، فالراهن هو الموجود، وتقديم الإسعافات له كي بقى راهنا هو جل ما تستطيع القوى الاجتماعية تقديمه أو الحصول عليه، لذلك تبدو المتغيرات الدولية من حولها كوبال يسقط عليها من حيث لا تدري، فتقوم بإجراءات التأقلم الممكنة، وهي غير واثقة من أنها سوف تتلقى صفعة مؤلمة تتحملها برضى وتباهي كإثبات لا يرقى إليه الشك على ضرورة وجودها.

من المؤكد أن العلاقة التي تحكم وجود هذه الدول (السلطات أو الأجهزة)، وبين ضرورة هذا الوجود، نابعة بشكل مؤكد بالعلاقة النظرية (الموهومة إذا صح التعبير) بين ما سمي دولة، وما يطلق عليه المجتمع، وكأن هناك علاقة بينهما على الرغم من عدم وجودهما! بالمعنى المعاصر الواقعي على الأقل، لدرجة الإستراتيجيا ترسم على أسس من هذه العلاقة النظرية المزعومة، بإعتبار أن هناك “دولة “، ترعى ،”مجتمعاً”، ولكن المفارقة تظهر 

حين نعرف أن المجتمع لا ينتج شيئاً (بالمعنى التنافسي الدولي)، وبالتالي لا لزوم لدولة، فالدولة والمجتمع بمعناهما المعاصر هما القطبين الكهربائيين الضروريين لسريان الكهرباء (الحركة والإنتاج)، وهما مسؤولين عن وجود ورعاية بعضهما بالضرورة، وفي مثال “الدول” “العربية” لا يبدو أن هذا الأمر ضرورياً مهما كانت نتائج تجاهله، فالدولة (السلطة) ليس لها مصلحة بوجود مجتمع معاصر وتكتفي بدور إدارة الأزمة حفاظا على وجودها، والسكان ليسوا بحاجة إلى “دولة” تفكك بنيتهم التقليدية الماقبل مجتمعية راضين بجعالات إسعافية تبقيهم على قيد العيش. ولكن ماذا يفعلان (السلطة والسكان) بالمتغيرات غير المفاجئة سوى التفاجؤ بها؟ وإشهار القوة الفيزيائية للدفاع عن ثوابت العيش؟

في الواقع لا وجود معايير لتلك الاجتماعيات السكانية (المزروبة) في حدود وتسميات وضعت  لها وتحمل بطاقات هوية وبسبورات باسم سلطاتها الحاكمة، فهي (كلتاهما) لم تنوجد بإرادتها الإنسانية عبر التفاعل مع المعرفة، وأساساً هي لا تعترف بهذه المعرفة، مما يعيد إنتاج هذا (الإنزراب) على يديها هي نفسها، بل انوجدت وظيفياً ورضخت بما لديها من معرفة لهذا “الإنوجاد”، محافظة في ذلك على كل تخلف ممكن، لا بل استزادت منه إستيراداً، ولذلك لا يبدو مهماً اذا كان هناك عراق مثلاً أو أربعة أو لم يكن بالمرة، إذ لا يؤثر وجوده من عدمه على أحد طالما أن بتروله و(ربما خيراته) هما تحت السيطرة الكاملة، وليس هناك من حاجة إلى أهله إلا كعمال ومترجمين وقتلة مأجورين، فالبترول كما يقول ترامب “لنجلبه وانتهينا”، فليس هناك من منتجين مبدعين نحن بحاجة الى مهاراتهم.

إنها فانتازيا حيّة، شعوب إذا تحطمت أو ذبحت أو اندثرت لا يتأثر العالم عملياً بما يحدث لها (ولا أقصد هنا التعاطف أو الإشفاق) إذ ما الفارق؟ إن بقيت هذه التجمعات السكانية أم اختفت؟

لا يمكن للعالم الاستغناء عن اليابان على الرغم من قصفه بقنبلتين نوويتين مبيدتين بعد إلإستسلام، ولكن أي استسلام كان؟! فعلى الرغم من وجود ظاهرة الكاميكاز لديهم إلا أنهم لم يقوموا بأية عملية انتحارية تلفت النظر اليهم كسكان موجودين بالفعل. إنهم موجودون بالإنتاج الإبداعي الذي لا يمكن الإستغناء عنه.

بماذا يحتاج الينا العالم؟ ألجغرافيتنا ؟ (التي تسمى جزافا جيواستراتيجيا) وهل نستطيع أو استطعنا حماية هذه الجغرافيا في يوم من الأيام؟ إننا شعوب محتقنة بذاتها، تنفجر بذاتها وعلى ذاتها، لا تستطيع أن تقايض العالم بشيء أو على شيء (اللهم إلا الإرهاب على أنواعه)، ولا تستطيع أن تنافس العالم في شيء أو على شيء، ويستطيع العالم إجبارها على أي شيء لا تريده، أو حتى لا تتقبله حيث تكمن ضرورة وجدها الوحيدة.

وأخيراً يبقى السؤال الحقيقي مستمراً ومشروعاً على الرغم من تكرار طرافته وفكاهيته التي أضحت مملة، وهو: لماذا يختار الحمار أن يشرب من الدلو الذي فيه ماء ولا يشرب من القدر الذي فيه خمر؟!

 مجلة قلم رصاص الثقافية 

عن نجيب نصير

نجيب نصير
كاتب وسيناريست سوري عريق، كتب العديد من المسلسلات السورية التي لاقت إقبالاً كبيراً، تمتاز أعماله بطابع خاص، ومن أبرزها: نساء صغيرات، أسرار المدينة، الانتظار، تشيللو، فوضى، أيامنا الحلوة، وغيرها.

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *