آخر المقالات
الرئيسية » نقار الخشب » هذا ليس مقالاً سينمائياً

هذا ليس مقالاً سينمائياً

فارس خدوج  |

قد يكون صانع الأفلام طبيباً نفسياً، أو قد يكون ببساطة سايكوباتياً، لا نعلم، لكن ما نعلمه هو أن صانع الأفلام الممتع ليس بالضرورة أن يكون غريباً، في الطبيعة البشرية الإنسان متطرف جداً، أو لا لا أعلم أنا فقط أشعر بذلك، لكن ما يمتعني سينمائياً هو أحد حالتين، صانع الأفلام الذي يفهمني جيداً، أو صانع الأفلام الذي لا يفهمني إطلاقاً، ببساطة لأن أحدهم طبيب نفسي لي، و الآخر مريض عندي، كلاهما حالتان استثنائيتان في علم النفس البشري لكن أحدهما متكلم وآخر مستمع، لن أتكلم عن تواصل الفيلم مع المشاهد، بل عن كون المخرج طبيباً نفسياً، لنفكر سوية ماذا لو صنع فرويد فيلماً سينمائياً يتحدث عن دورة حياة فاكهة المشمش على سبيل المثال، تلك فكرة ليست سيئة لأنها فكرة، لكن إن فكرنا جيداً سنجد أن خبرتنا (الاجتماعية ،والثقافية، والجنسية، والمهنية) ستملي علينا شيئاً واحداً لا أكثر، الإسقاط، ما هو الإسقاط؟، ما هو الرمز في الطبيعة الإنسانية، ما هي القيمة التي تكتسبها من فيلم سينمائي، لماذا لا يوجد شيء يسمى أفلاماً تجارية مع أنها تملأ الدنيا، كل تلك أسئلة ستجعلنا الخبرة الإنسانية مجبرين على إسقاطها على الواقعة تماماً كفيلم عن حبة المشمش.

إن قام سيغموند فرويد عالم النفس الشهير بصناعة فيلم عن حبة المشمش بلا أي وصف يتعلق بالإنسان، سترى نفسك محاطاً بالأسئلة، ماذا يقصد بدورة حياة المشمش، ماذا يقصد بالطعم اللذيذ؟ ماذا يقصد كاتب المقال بهذا الكلام، ما أقصده يا عزيزي القارئ هو أن خبرتك وطاقتك وعمرك (وجهان لعملة واحدة)، ونفسك البشرية، تلك جميعها هي ما يحدد مقدار فهمك للفيلم أو لأي عمل فني آخر، لقد أطلقت على مقالتي اسم “هذا ليس مقالاً سينمائياً”، منذ بداية المقال وأنت تنتظر الفهم العميق الميتافيزيقي الواسع لهذا العنوان، قد أكون مجرد محتال يسعى وراء التفاخر بسرياليته على سبيل المثال، عزيزي القارئ، عزيزي المشاهد لا تفكر كثيراً قد يكون المخرج أدنى ذكاءً منكَ، قد يكون أقل موهبة منك، قد تكون أنت الطبيب النفسي بالنسبة له، قد تستوعبه، وقد تسبقه فنياً، سنطرح مثالاً سينمائياً صغيراً، عندما نتكلم عن فيلم صغير أتمنى من جميع الناس مشاهدته (رماد و ثلج) للمخرج والمصور جورج غولبرت، لن أتكلم عن هذا الفيلم بل سأتكلم عن آراء المشاهدين،”دورة الحياة”، “كل شيء”،”الله والإنسان”، والمفضل لدي “الطبيعة البشرية الصامتة التي تنحني نحو الزوال”، ما هذا الكلام العميق الذي من غير الممكن فهمه، إنها الخبرة يا صديقي، إن الفيلم مهم جداً لا أنكر ذلك أكاديمياً وروحياً، لكن الفيلم هذا هو صور ترابية بالعرض البطيء، وكما يقول أحد أصدقائي “كل الصور التي تصور بالأبيض والأسود جميلة” فهو محق، لأنك ستبدأ بفهم مدى عمق الصورة لتحللها، يا صديقي لا تحلل الصور، لا تحلل الموسيقا، فقط استمتع بما ترى، أنا لا أحلل الفيلم قبل المشاهدة الثالثة له، ومن أنا، لكن روجر أيبرت الناقد السينمائي العظيم كان يشاهد الفيلم خمس مرات قبل نقده، ستبدأ بفقدان المتعة إن بدأت بتحليل الفيلم ميتافيزيقاً وروحياً، ونصيحة خارجة عن النص، لا تحاول فهم فيلم (القناع) من إخراج (إنغمار بيرغمان) فبصراحة هو لا يعلم ما صنع، المتعة هي الهاجس الأول والأخير في عالم الفنون، والجمال هو الهدف الذي تبنى عليه تلك الفنون، لا وجود للمدارس الفنية، لا وجود للقواعد الفنية، بالطبع إن كنت ستعمل في تلك المجالات لا يضر الاطلاع، لكن تأكد أن الجمال، الدهشة، المتعة، الصخب، والهدوء، هم مقومات جمالية مهمة أكثر بكثير من دواخل العمل الفني ومعانيه.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *